سورة مريم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


قوله تعالى: {كهيعص} قرأ ابن كثير: {كهيعص ذِكْر} بفتح الهاء والياء وتبيين الدال التي في هجاء صاد. وقرأ أبو عمرو: {كهيعص} بكسر الهاء وفتح الياء ويدغم الدال في الذال، وكان نافع يلفظ بالهاء والياء بين الكسر والفتح، ولا يدغم الدال التي في هجاء صاد في الذال من {ذِكْر}. وقرأ أبو بكر عن عاصم، والكسائي، بكسر الهاء والياء، إِلا أن الكسائي لا يبيِّن الدال، وعاصم يُبيِّنها. وقرأ ابن عامر، وحمزة، بفتح الهاء وكسر الياء ويدغمان. وقرأ أُبيّ بن كعب: {كهيعص} برفع الهاء وفتح الياء. وقد ذكرنا في أول البقرة ما يشتمل على بيان هذا الجنس. وقد خصَّ المفسرون هذه الحروف المذكورة هاهنا بأربعة أقوال.
أحدها: أنها حروف من أسماء الله تعالى، قاله الأكثرون. ثم اختلف هؤلاء في الكاف من أي اسم هو، على أربعة أقوال. أحدها: أنه من اسم الله الكبير.
والثاني: من الكريم.
والثالث: من الكافي، روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والرابع: أنه من الملك، قاله محمد بن كعب. فأما الهاء، فكلُّهم قالوا: هي من اسمه الهادي، إِلا القرظي فإنه قال: من اسمه الله. وأما الياء، ففيها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها من حكيم.
والثاني: من رحيم.
والثالث: من أمين، روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس. فأما العين، ففيها أربعة أقوال.
أحدها: أنها من عليم.
والثاني: من عالم.
والثالث: من عزيز، رواها أيضاً سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والرابع: أنها من عدل، قاله الضحاك. وأما الصاد، ففيها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها من صادق.
والثاني: من صدوق، رواهما سعيد بن جبير أيضاً عن ابن عباس.
والثالث: من الصمد، قاله محمد بن كعب.
والقول الثاني: أن {كهيعص} قَسَم أقسم الله به، وهو من أسمائه، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس. وروي عن عليّ عليه السلام أنه قال: هو اسم من اسماء الله تعالى. وروي عنه أنه كان يقول يا كهيعص اغفر لي. قال الزجاج: والقَسَم بهذا والدعاء لا يدل على أنه اسم واحد، لأن الداعي إِذا علم أن الدعاء بهذه الحروف يدل على صفات الله فدعا بها، فكأنه قال: يا كافي، يا هادي، يا عالم، يا صادق، وإِذا أقسم بها، فكأنه قال: والكافي الهادي العالم الصادق، وأُسكنت هذه الحروف لأنها حروف تهجٍّ، النيَّة فيها الوقف.
والثالث: أنه اسم للسورة، قاله الحسن، ومجاهد.
والرابع: اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
فإن قيل: لم قالوا: ها يا، ولم يقولوا في الكاف: كا، وفي العين: عا، وفي الصاد: ص، لتتفق المباني كما اتفقت العلل؟
فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: حروف المعجم التسعة والعشرون تجري مجرى الرسالة والخطبة، فيستقبحون فيها اتفاق الألفاظ واستواء الأوزان، كما يستقبحون ذلك في خطبهم ورسائلهم، فيغيِّرون بعض الكِلَم ليختلف الوزن وتتغيَّر المباني، فيكون ذلك أعذب على الألسن وأحلى في الأسماع.
قوله تعالى: {ذِكْر رحمة ربك} قال الزجاج: الذِّكر مرفوع بالمُضمَر، المعنى: هذا الذي نتلو عليك ذِكْر رحمة ربِّك عبدَه. قال الفراء: وفي الكلام تقديم وتأخير؛ المعنى: ذِكْر ربِّك عبده بالرحمة، و{زكريا} في موضع نصب.
قوله تعالى: {إِذ نادى ربَّه} النداء هاهنا بمعنى الدعاء.
وفي علة إِخفائه لذلك ثلاثة أقوال.
أحدها: ليبعد عن الرياء، قاله ابن جريج.
والثاني: لئلا يقول الناس: انظروا إِلى هذا الشيخ يسأل الولد على الكِبَر، قاله مقاتل.
والثالث: لئلا يعاديه بنو عمه، ويظنوا أنه كره أن يلوا مكانه بعده، ذكره أبو سليمان الدمشقي. وهذه القصة تدل على أن المستحب إِسرار الدعاء، ومنه الحديث: «إِنكم لا تدعون أصمّ». قوله تعالى: {قال ربِّ إِني وهن العظم منِّي} وقرأ معاذ القارئ، والضحاك: {وَهُن} بضم الهاء، أي: ضَعُف. قال الفراء: وغيره: وَهَن العظم، ووَهِن، بفتح الهاء وكسرها؛ والمستقبل على الحالين كليهما: يَهِن. وأراد أن قوَّة عظامه قد ذهبت لِكبَره؛ وإِنما خصّ العظم، لأنه الأصل في التركيب. وقال قتادة: شكا ذهاب أضراسه.
قوله تعالى: {واشتعل الرأس شيباً} يعني: انتشر الشيب فيه، كما ينتشر شعاع النار في الحطب، وهذا من أحسن الاستعارات. {ولم أكن بدعائك} أي: بدعائي إِياكَ {ربِّ شقياً} أي: لم أكن أتعب بالدعاء ثم أُخيَّب، لأنك قد عودتَني الإِجابة؛ يقال: شقي فلان بكذا: إِذا تعب بسببه، ولم ينل مراده.
قوله تعالى: {وإِني خِفتُ الموالي} يعني: الذين يلونه في النسب، وهم بنو العم والعَصبة {من ورائي} أي: من بعد موتي.
وفي ما خافهم عليه قولان:
أحدهما: أنه خاف أن يَرِثوه، قاله ابن عباس. فإن اعترض عليه معترض، فقال: كيف يجوز لنبيّ أن يَنْفَس على قراباته بالحقوق المفروضة لهم بعد موته؟
فعنه جوابان.
أحدهما: أنه لما كان نبيّاً، والنبيّ لا يورث، خاف أن يرِثوا ماله فيأخذوا ما لا يجوز لهم.
والثاني: أنه غلب عليه طبع البشر، فأحبَّ أن يتولَّى مالَه ولدُه، ذكرهما ابن الأنباري.
قلت: وبيان هذا أنه لا بد أن يتولَّى ماله وإِن ولم يكن ميراثاً، فأحبَّ أن يتولاه ولده.
والقول الثاني: أنه خاف تضييعهم للدِّين ونبذهم إِيّاه، ذكره جماعة من المفسرين.
وقرأ عثمان، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، وابن جبير، ومجاهد، وابن أبي شريح عن الكسائي: {خَفَّت} بفتح الخاء وتشديد الفاء على معنى قلَّت؛ فعلى هذا يكون إِنما خاف على عِلْمه ونبوَّته ألاَّ يُورَثا فيموت العِلْم. وأسكن ابن شهاب الزهري ياء {المواليْ}.
قوله تعالى: {من ورائي} أسكن الجمهور هذه الياء، وفتحها ابن كثير في رواية قنبل.
وروى عنه شبل: {ورايْ} مثل عصايْ.
قوله تعالى: {فَهَبْ لي من لدنك} أي: من عندك {وليّاً} أي: ولداً صالحاً يتولاَّني.
قوله تعالى: {يَرِثني ويرث من آل يعقوب} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة: {يَرِثُني ويَرِثُ} برفعهما. وقرا أبو عمرو، والكسائي: {يَرِثْني ويَرِثْ} بالجزم فيهما. قال أبو عبيدة: من قرأ بالرفع، فهو على الصفة للوليّ؛ فالمعنى: هب لي وليّاً وارثاً، ومن جزم، فعلى الشرط والجزاء، كقولك: إِن وهبتَه لي ورثني.
وفي المراد بهذا الميرث أربعة أقوال.
أحدها: يَرِثني مالي، ويرث من آل يعقوب النبوَّة، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال أبو صالح.
والثاني: يَرِثني العِلْم، ويَرِث من آل يعقوب المُلْكَ، فأجابه الله تعالى إِلى وراثة العِلْم دون المُلْك، وهذا مرويّ عن ابن عباس أيضاً.
والثالث: يَرِثني نبوَّتي وعِلْمي، ويَرِث من آل يعقوب النبوَّة أيضاً، قاله الحسن.
والرابع: يَرِثني النبوَّة، ويرث من آل يعقوب الأخلاق، قاله عطاء. قال مجاهد: كان زكريا من ذرية يعقوب، وزعم الكلبي أن آل يعقوب كانوا أخواله، وأنه ليس بيعقوب أبي يوسف. وقال مقاتل: هو يعقوب بن ماثان، وكان يعقوب هذا وعمران أبو مريم أخوين.
والصحيح: أنه لم يُرِد ميراثَ المال لوجوه.
أحدها: أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورَث، ما تركناه صدقة». والثاني: أنه لا يجوز أن يتأسَّف نبيّ الله على مصير ماله بعد موته إِذا وصل إِلى وارثه المستحق له شرعاً.
والثالث: أنه لم يكن ذا مال. وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زكريا كان نجاراً.
قوله تعالى: {واجعله ربّ رضيّاً} قال اللغويون: أي: مرضيّاً، فصُرِف عن مفعول إِلى فَعيل، كما قالوا: مقتول وقتيل.


قوله تعالى: {يا زكريا إِنا نبشرك} في الكلام إِضمار، تقديره: فاستجاب الله له فقال: {يا زكريّا إِنا نبشِّرك}. وقرأ حمزة: {نَبْشُرك} بالتخفيف. وقد شرحنا هذا في [آل عمران: 39].
قوله تعالى: {لم نجعل له من قبلُ سَمِيّاً} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لم يُسمَّ يحيى قبله، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وقتادة، وابن زيد، والأكثرون.
فإن اعترض معترض، فقال: ما وجه المِدْحَة باسم لم يُسمَّ به أحد قبله، ونرى كثيراً من الأسماء لم يُسبَق إِليها؟ فالجواب: أن وجه الفضيلة أن الله تعالى تولَّى تسميته، ولم يَكِل ذلك إِلى أبويه، فسماه باسم لم يُسبَق إِليه.
والثاني: لم تلد العواقر مثله ولداً، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المعنى: لم نجعل له نظيراً.
والثالث: لم نجعل له من قبل مِثْلاً وشِبْهاً، قاله مجاهد. فعلى هذا يكون عدم الشَّبَه من حيث أنه لم يعص ولم يهمَّ بمعصية. وما بعد هذا مفسر في [آل عمران: 39] إِلى قوله: {وكانت امرأتي عاقراً}.
وفي معنى {كانت} قولان:
أحدهما: انه توكيد للكلام، فالمعنى: وهي عاقر، كقوله: {كنتم خير أُمَّة} [آل عمران: 110] أي: أنتم.
والثاني: أنها كانت منذ كانت عاقراً، لم يحدُث ذلك بها، ذكرهما ابن الأنباري، واختار الأول.
قوله تعالى: {وقد بلغتُ من الكِبَر عتياً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {عُتيّاً} و{بُكيّاً} [مريم: 58] و{صُليّا} [مريم: 70] بضم أوائلها. وقرأ حمزة، والكسائي، بكسر أوائلها، وافقهما حفص عن عاصم، إِلا في قوله: {بُكيّاً} فإنه ضم أوله. وقرأ ابن عباس، ومجاهد: {عُسِيّاً} بالسين قال مجاهد: {عتيّاً} هو قُحُول العظم. وقال ابن قتيبة: أي يُبْساً؛ يقال: عَتَا وعَسَا بمعنى واحد. قال الزجاج: كل شيء انتهى، فقد عَتَا يَعْتُو عِتِيّاً، وعُتُوّاً، وعُسُوّاً، وعُسِيّاً.
قوله تعالى: {قال كذلكَ} أي: الأمر كما قيل لك من هبة الولد على الكِبَر {قال ربُّكَ هو عليَّ هيِّن} أي: خَلْقُ يحيى عليَّ سَهْل. وقرأ معاذ القارئ، وعاصم الجحدري: {هَيْن} باسكان الياء. {وقد خلقتُك مِنْ قَبْلُ} أي: أوجدتُك. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: {خَلَقْتُكَ}. وقرأ حمزة، والكسائيُّ: {خَلَقْنَاكَ} بالنون والألف. {ولم تك شيئاً} المعنى: فخلْقُ الولد، كخلقك. وما بعد هذا مفسر في [آل عمران: 39] إِلى قوله: {ثلاثَ ليال سويّاً} قال الزجاج: {سَوِيّاً} منصوب على الحال، والمعنى: تُمْنَع عن الكلام وأنت سَوِيّ. قال ابن قتيبة: أي: سليماً غير أخرس.
قوله تعالى: {فخرج على قومه} وهذا في صبيحة الليلة التي حملت فيها أمرأته {من المحراب} أي: من مصلاَّه وقد ذكرناه في [آل عمران: 39].
قوله تعالى: {فأوحى إِليهم} فيه قولان:
أحدهما: أنه كتب إِليهم في كتاب، قاله ابن عباس.
والثاني: أومأَ برأسه ويديه، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {أن سَبِّحوا} أي: صلُّوا {بُكْرة وعَشِيّاً} قد شرحناه في [آل عمران: 39]، والمعنى: أنه كان يخرج إِلى قومه فيأمرهم بالصلاة بُكْرة وعَشِيّاً، فلما حملت امرأته أمرهم بالصلاة إِشارة.


قوله تعالى: {يا يحيى} قال الزجاج: المعنى: فوهبنا له يحيى، وقلنا له: يا يحيى {خذ الكتاب} يعني: التوراة، وكان مأموراً بالتمسك بها. وقال ابن الأنباري: المعنى: اقبل كُتُبَ الله كلَّها إِيماناً بها واستعمالاً لأحكامها. وقد شرحنا في [البقرة: 63] معنى قوله: {بقوّة}.
قوله تعالى: {وآتيناه الحُكْم} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه الفهم، قاله مجاهد.
والثاني: اللُّب، قاله الحسن، وعكرمة.
والثالث: العِلْم، قاله ابن السائب.
والرابع: حفظ التوراة وعلْمها، قاله أبو سليمان الدمشقي. وقد زدنا هذا شرحاً في سورة [يوسف: 23]. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم، فهو ممن أُوتيَ الحُكم صبيّاً.
فأما قوله: {صبيّاً} ففي سنِّه يوم أُوتيَ الحُكم قولان:
أحدهما: أنه سبع سنين، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: ثلاث سنين، قاله قتادة، ومقاتل.
قوله تعالى: {وحناناً من لَدُنّا} قال الزجاج: أي: وآتيناه حناناً. وقال ابن الأنباري: المعنى: وجعلناه حناناً لأهل زمانه.
وفي الحنان ستة أقوال.
أحدها: أنه الرحمة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والفراء، وأبو عبيدة، وأنشد:
تَحَنَّنْ عليَّ هَدَاكَ الملِيك *** فإنّ لكلِّ مقامٍ مَقَالاَ
قال: وعامة ما يُستعمَل في المنطق على لفظ الاثنين، قال طرفة:
أبا مُنْذرٍ أفنيتَ فاستبقِ بَعضَنَا *** حَنَانَيْكَ بعضُ الشَّرِّ أهونُ مِنْ بَعْضِ
قال ابن قتيبة: ومنه يقال: تحنَّن عليَّ، وأصله من حنين الناقة على ولدها. وقال ابن الأنباري: لم يختلف اللغويون أن الحنان: الرحمة، والمعنى: فعلنا ذلك رحمةً لأبويه، وتزكيةً له. والثاني: أنه التعطف من ربِّه عليه، قاله مجاهد. والثالث: أنه اللِّين، قاله سعيد بن جبير. والرابع: البَرَكة، وروي عن ابن جبير أيضاً. والخامس: المَحبَّة، قاله عكرمة، وابن زيد. والسادس: التعظيم، قاله عطاء بن أبي رباح.
وفي قوله: {وزكاة} أربعة أقوال.
أحدها: أنها العمل الصالح، قاله الضحاك، وقتادة.
والثاني: أن معنى الزكاة: الصدقة، فالتقدير: إِن الله تعالى جعله صدقة تصدّق بها على أبويه، قاله ابن السائب.
والثالث: أن الزكاة: التطهير، قاله الزجاج.
والرابع: أن الزكاة: الزيادة، فالمعنى: وآتيناه زيادة في الخير على ما وُصف وذُكِر، قاله ابن الأنباري.
قوله تعالى: {وكان تقيّاً} قال ابن عباس: جعلته يتَّقيني، ولا يعدل بي غيري.
قوله تعالى: {وبَرّاً بوالديه} أي: وجعلناه بَرّاً بوالديه، والبَرُّ بمعنى: البارّ؛ والمعنى: لطيفاً بهما، محسناً إِليهما. والعَصِيَّ بمعنى: العاصي. وقد شرحنا معنى الجبّار في [هود: 59].
قوله تعالى: {وسلام عليه} فيه قولان:
أحدهما: أنه السلام المعروف من الله تعالى. قال عطاء: سلام عليه مِنِّي في هذه الأيام؛ وهذا اختيار أبي سليمان.
والثاني: أنه بمعنى: السلامة، قاله ابن السائب.
فإن قيل: كيف خَصَّ التسليم عليه بالأيام، وقد يجوز أن يولد ليلاً ويموت ليلاً؟
فالجواب: أن المراد باليوم الحِين والوقت، على ما بيّنا في قوله: {اليوم أكملتُ لكم دينَكم} [المائدة: 3].
قال ابن عباس: وسلام عليه حين وُلد. وقال الحسن البصري: التقى يحيى وعيسى، فقال يحيى لعيسى: أنتَ خير مني، فقال عيسى ليحيى: بل أنت خير مني، سلَّم الله عليك، وأنا سلَّمتُ على نفسي. وقال سعيد بن جبير مثله: إِلا أنه قال أثنى الله عليك، وأنا أثنيت على نفسي. وقال سفيان بن عيينه: أوحش ما يكون الإِنسان في ثلاثة مواطن، يوم يولد فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم، ويوم يُبعث فيرى نفسه في محشر لم يره، فخص الله تعالى يحيى فيها بالكرامة والسلامة في المواطن الثلاثة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7